
اللحظات الاولى
شعرت انني لا انتمي الى هذا المكان
احسست بضيق شديد
كأنني سجنت
لكنني لا اعرف ما الذنب الذي اقترفته كي اسجن في هذا الجسد
فروحي من قبل كانت حرة
تطير حيث تشاء
الى أعالي الجبال الخضراء
الى أعمق الوديان
تطوف صحراء خاوية
تسابق نهرا في غابة
خلال اللحظات الاولى لي في هذه الحياة
رأيت الذنوب تنتظرني
تشبه الحبر الأسود ان سقطت نقطة في قلب أحدهم انتشر فيه السواد
تريد أن تأسرني في شباكها المتداخلة
التي أوقعت من حولي
غريبة هذه الحياة
ففي لحظاتي الاولى كنت أبكي
و كانوا أمامي يبتسمون !
كنت اصرخ
فهل كانوا لا يسمعون صراخي ؟
ام ان الصراخ و الالم في هذا العالم سبب للضحك ؟
الا يتذكرون حياتهم السابقة ؟
و من أين أتوا و كيف كانت الحياة قبل الحياة ؟
لم تغير بنوا آدم ؟
فبنوا آدم ليست لديهم أوشام على وجوهم كهؤلاء؟
لم لسان هذا الشخص يحترق ؟!
لم اختفت عيون ذاك الشخص من رأسه ؟!
نعم نعم ... الآن تذكرت !
"ذنوب البشر تنطبع على وجوههم ، على السنتهم ، على اياديهم ، ذنوب البشر لا تمحوها الأيام بل تبقى تنتظر اليوم الذي تتجسد فيه لأصحابها تذكروا هذا لحياتكم الآتية و لا تنسوه كما نسيه من سبقكم الى الدنيا"
هكذا قالوا لنا في الحياة السابقة
ربما هذا يفسر ما يجري من حولي
ففي هذه الحياة تنطبع الذنوب على اجساد البشريين لكن الله سبحانه سترها عن أعين العباد لعلهم يتوبون ...
حملتني يد احدهم
لمحت خطوط الكفين فيها
عجيبة بتعرجاتها
لها بداية و نهاية كحياة البشر
تروي حكايته من حيث لا يشعر
في منتصف التعرجات قصة حب
بسمة تتلوها دمعة
و سرور يتلوه ألم
اما عالمي الذي اتيت منه فقصص الحب كلها تنتهي سعيدة !
رأيت أحدهم يحملني و يبتسم لكنه كان مختلفا عن البقية
كان شعر رأسه و لحيته شديدي البياض وجلده مترهل و ظهره مقوس
سمعتهم يقولون له : مبروك لقد أصبحت جدا للمرة السادسة !
فقال لهم : لقد كبرت في العمر و خارت قواي و ضعف بصري
الآن ارتاح و يأتي دور الجيل الجديد !
اسغربت من أمر البشري
فانما يهرم الجسد و تبقى الروح في زمن الشباب خالدة
ان صورة الذي يقول عن نفسه انه هرم أو شاخ هي صورة انعكاس لروح مستسلمة رفعت الراية البيضاء في وجه جيوش الحياة و تحدياتها التي لا تنتهي
انما يهرم الجسد و تبقى الروح و يبقى الحب (الحقيقي) خالدا لا يتغير بل يسمو و يعلو مع الزمن ...
خرجنا من المكان الذي ولدت فيه
مررنا بالبحر
هذا البحر أليس هو نفسه الحب الذي كنا نغترف منه بأيادينا لنملأ قلوبنا عذوبة ؟
لم أصبح مالحا هكذا ؟
لم صار لا يتكلم ؟!
نظرت الى الاعلى
يا الهي ! انها السماء !
أبوابها ما تزال مفتوحة لكن كيف لي الآن ان اصل اليها
بعد أن كنا نرتفع باجنحتنا ؟
نظرت من النافذة رأيت الاشجار ، ناديتها !
لم تجبني
لم أصبحت جمادا ؟!
ألم تكن هي ذاتها طواسيس السماء ؟
ان فرشت أجنحتها اصطبغ الكون من حولنا
بالاخضر و الازرق و الأحمر
ان هي غنت صمت الكون ليسمع أروع غناء
ما بالها غدت صامتة لا ترد ؟
نظرت من حولي الى الناس بدأت تختفي بصمات الذنوب عليهم
لم اعد ارى بوضوح ما وراء الجسد
لم اعد ارى ما تخفيه تلك الزينة من قبح
القلب الاسود المتقنع بالبسمة
أًصبحت لا أرى الا ما تراه عيني !
شعرت بالخوف
فكيف لي الآن أن أعرف الخير من الشر ؟
بعد أن كنت أرى قلوب البشر بوضوح كما النجوم
قلب يبكي و آخر ميت
قلب يضحك و آخر وحيد
قلب ميت و آخر ينبض بالحياة
في هذا العالم تغيرت اشكال الأشياء... ماعدا شيء واحد ...
قلب امي لا يزال كما هو واضحا أمامي صاف نقي
يشبه في شكله وردة ياسمين
و كنت أنا فيما مضى الطير الذي يرتشف من رحيق حنان تلك الوردة
قبل أن نأتي الى هذا المكان
كانت جميع الخلائق متصلة ببعضها بروح واحده
فان تألمت احدى الخلائق تألمنا جميعا
و ان فرحت احداها فرحنا جميعا
اما الآن فاننا نتألم وحدنا
و قد لا يشعرأحد ...
مر
شهرخطوت اول خطوة و تعثرت
لانني لم استخدم رجلي من قبل فانا في الحياة السابقة كنت اطير !
مرت سنة ...
أصبحت حياتي السابقة مجرد ومضات لصور غير واضحة
بدأت اتعلم لغتهم
مرت سنتان ...
نسيت كل شيء عن الحياة ما قبل الحياة
بعد عشرين سنة...

اقلعت الطائرة
كان هناك شاب في العشرينيات ينظر من نافذة الطائرة
داخل عالم نفسه :
كم هي جميلة هذه الحياة (!)
ما أروع هذا الشجر، هذه النجوم و ذاك البحر (!)
لكن ...
هذا الشجر رغم أنه جامد الا أنني أشعر أنه ينبض بالحياة
هذه النجوم تلمع ... فهل هي تبكي ؟
هذا البحر الأزرق لم يعكس صورنا بصمت ؟
هل يحاول أن يقول شيئا ؟
احس الشاب ان البحر و الشجر و النجوم و الغيوم تعرفه و تشعر به و تحاول ان تكلمه لكنه لا يسمعها
ضحك الشاب من تلك الافكار التي لم يكن يدري من أين أتى بها !
انزل غطاء نافذة الطائرة و تبسم
سأله من بقربه : بم تفكر ؟؟؟
قال : لا شيء مجرد خرافات من نسج خيالي لا أكثر !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لن أنقل لكم حكمة هذه المرة ، لأنني أريد منكم أن تكتبوا حكمة
او مقولة شهيرة تناسب الموضوع :)