السبت، 15 ديسمبر 2012

الشتاء له قلب

 
 
 
"كم شتاءً مر عصف بالبحر و هيج أمواجه الحزينة ثم رحل غير عابيء بالبحر العاجز و بالأمواج المتكسرة على الصخر؟"
لم يكن يدري من أين ظهرت أمامه هذه الكلمات!
استغرب كأنه رأى جثة منسية تعود للحياة!
كان ينبش في أوراقه القديمة و لا يدري عمَّ يبحث و لماذا، لكنه وجدها أمامه.
تذكَّر أنه قبل أسبوع، شاهد برنامجًا على التلفاز،
"لو كان باستطاعتك أن ترسل رسالة من وقتنا الحالي إلى نفسك في الماضي ماذا ستكون؟؟"
كان السؤال هو موضوع البرنامج الذي ظهر على التلفاز، كانت ردود الفعل بأغلبيتها تتسم بالطابع الكوميدي، لكنه لم يكن يبتسم، تساءل في نفسه ماذا ستكون الرسالة، لم يكن يدري ماذا يقول لنفسه في الماضي، لأنه اعتقد أن نفسه القديمة قد ماتت و دُفنت في مكان يعرفه، هو دفنها بيده، و هو كان متأكدًا أن الميت لا يعود للحياة، مر أُسبوع على السؤال الذي نُسي، كان ينبش في أوراقه القديمة لا يدري يبحث عن ماذا بالضبط!
عثر على احدى خواطره، كلمات قديمة تأخذه بالزمن للوراء، اكتشف أن نَفْسًا من أنفسه لا تزال تعيش في ورقة من اوراق الماضي، و أنَّ الأموات قد يعودون للحياة، قرأ الخاطرة:
كم شتاءً مر عصف بالبحر و هيج امواجه الحزينة ثم رحل غير عابيء بالبحر العاجز و بالأمواج المتكسرة على الصخر؟
كم يشبه رحيله رحيل كثير من البشر تاركين خلفهم قلوبًا مهشمة، بشر من أولئك الذين لم يمُن الله سبحانه عليهم بقلب، أو من الذين وَأَدُوا قلبهم في مكان ما في صحراء قسوة الحياة، فهل يا تُرى كان للشتاء قلب ينبض يومًا ما لكنه وُئِد ؟
أم أن الشتاء كان منذ بدء الخلق بلا قلب ؟
و ألا يتعلم البحر الدرس المؤلم؟
لِم يُصر على لعب دور البريء ؟
هل الأمل بوجود الحب يدفعه نحو الانصياع للشتاء كل مرة؟
كم شتاءً مر ماشيًا على جثتي المحترقة و لم يلتفت حتى لبشاعة المنظر؟!
مر و لمْ يحاول حتى أن يمسح بأنامله الباردة المتجمدة على جراحي التي تنزف لهبًا.
هل لهذه الدرجة كنتُ هباءً ليست له قيمة ؟
و هل كانت جراحي التي رُسمت على جسدي بخنجر الانتظار المتعرج النصل التائه في طرق قلبي جراحًا تعوَّد على رؤيتها الشتاء عند غيري من البشر؟
أم أنني صرت رمادًا ينتظر الرياح لتحمله إلى أراضي النسيان و لا أمل في شفاء جراحي؟
و هل أوشام الأفكار السوداء المنقوشة بزخرفة على جسدي مُتوقعة ؟
مألوفة بالنسبة للشتاء، هي نفسها التي رآها في رسومات البشر البدائيين في الكهوف المظلمة، تلك التي تروي معاناتهم مع الحياة و تدق بمطرقة القضاء الأبدي حكمًا لا مفر منه ،يقضي بأن الألم شرٌ لا بد منه.

انتهت الخاطرة، أمسك بالورقة و أتى بالقلم و خرج إلى البحر، راح يكتب مكملًا الخاطرة:

أنا الآن أقف أمام البحر، كل شيء يبدو مختلفًا عن ذي قبل.
ما خطب الشتاء يا بحر ؟!
لِمَ صار اكثر دفئًا من ذي قبل؟!
لِمَ صرتُ أشعر بعطفه على الكائنات؟
هل تلك لعبة من ألاعيبه التي خدعك بها يومًا يا بحر ؟
هل هو قناع اعتاد ارتداءه تفضحه عيونه الناظرة من فتحات القناع؟
هل يُعقل؟!
هل قرر أن يتوب عن ذنوبه و أن يعتكف بقية العمر في صحراء خاوية بحثًا عن قلبه الموؤد ؟
غير أن قلبي يهمس لي باحتمال آخر.
هل هو الحب ؟؟
ذاك الذي تصفه الكتب، عندما تتغلغل أنامله الوردية داخلةً أجسادنا من خطوط الكفين منتشرة في كل عرق حتى تصل للقلب.
إنه الحب الذي يصنع معجزة لا يراها على هيأتها إلا من وقع في الحب.
و هو الحب الذي يجعل الوحش انسانًا، و أحيانًا الانسان وحشًا.
اي و الله إنه الحب، لم أتوقع أن يكون بهذه الروعة بل أجمل، يغيَّر كل شيء حولنا، فنبصر كل شيء كأننا نراه لأول مرة.
تغيرت وجوه البشر، و تغيرت وجوه الكون، بتُّ أرى وجهًا جديدًا للشتاء لم أكن أعرفه من قبل.
نعم إنه الحب و ليس غيره، ذاك الذي يرسم لي صورة حبيبتي في كل مكان.
أرى انعكاسها على جسد البحر الأزرق و هي تبتسم.
أراها مرسومة على لوحة الليل، تقف أمامي عروسةً، ثوبها مرصع بالنجوم و وجهها البدر المتلألأ.
قلبي يحدثني بذلك، حتى أنتَ أيها البحر تغيرت بعد أن عرفتُ أنا الحب!
ألم تلاحظ أن موجك صار أكثر هدوءً ؟
يلامس اجساد السفن المرهقة برقة النسيم الذي يداعب وجنة وردة، يمسح على جراح السفن الصدئة.
لِم تغيرت أمواجك ؟
و أنت الذي كنت يومًا ما ترش ملحك في جراح السفن فتغلي ألمًا... تمامًا كما كانت تغلي جراحي عندما أقتربُ منك و اشكو فقدي ...
إذًا أيها البحر بتنا متفقين أنا و أنت أن الشتاء له قلب لطالما أخفاه داخل ردائه الأسود المهيب، لكن علينا أن نتأكد من ذلك في السنة القادمة !
لكن قلبي لايزال يهمس لي أنه الحب هو الذي أعاد قلب الشتاء للنبض من جديد ...

الأربعاء، 15 أغسطس 2012

تعلمت في الخفارة ٧

تعلمت في الخفارة ٧


 

عندما ننطق اسم احدهم فان صورته تظهر في العقل، بالصورة و الهيئة التي طالما كنا نراها عليه، لذلك وُجِدَت الأسماء.
و تتشابه الاسماء مع الشجر، فهي تنمو في قلوبنا مرتويةً من أنهار الذكريات، بعضها تبدو في علوها شاهقة كالجبال، أما بعض الأسماء فيذبل في قلوبنا مع مرور الوقت.
في المستشفى نتعامل مع الألم مع الأنين مع مرارة الدواء مع فقدان الأمل، بعض المرضى يكتمون أنينهم، و بعضهم  يصرخون من الألم، لكنني لاحظت أن بعض المرضى عندما يشعرون بالألم الشديد الذي لا يطاق يصرخون (أمي).
فكرت بيني و بين نفسي عن السبب، كلمة من ثلاثة حروف فقط، لِمَ قد يلجأ إليها انسان عند الألم؟
هل لأنَّ اسمكِ ببساطة يُنسينا الوجع ؟
أم أن السبب أعمق بكثير و يبعدُ كل البعد عن البساطة؟
ربما ذاك المريض عندمايقول كلمة (امي) فانه يتخيل نفسه و قد عاد طفلًا صغيرًا، و يرى أمه و هي تبتسم، تمسح بيدها برقة على شعيرات رأسه، و كل شعرة تحظى بلمس اناملها تغدو خيطًا من حرير بارد ناعم الملمس، ألا يكفي هذا المشهد كي يشفي الألم أيَّ ألم ؟
هذا الرداء الأبيض الذي نرتديه و الأدوية و الانابيب و السوائل و الاجهزة و أنا، كلنا كنا ننظر باستغراب كيف يزول الألم.
هل لأن صوت كل حرف من حروف اسمكِ عندما يُنطق يتغلغل صداه بالشرايين حتى يصل للقلب ليضم نبضاته برقة فيبطئها و يُسكت صوت الألم ؟
هل لأن قلبك كطيرٍ أبيض هاجر من صدرك و ارتحل إلى حيث جراحي، يمسحها بجناحه و كل ريشة من جناحه تقطر بالبلسم ؟
من ملاحظتي بالمستشفى وصلت إلى قناعة، قناعة تقول أن حروف اسمكِ بها سر استودعه الله عز و جل يعجز عن فهمه العلم ؟
قد مر وقت طويل منذ أنْ مرَّرْتِ اناملكِ بين شعيرات رأسي، فكأن الشعيرات باتت كورد ذابل يحن إلى أناملك، و كأن الروح باتت أرضًا متشققة من الجفاف تحن لتلك الأنامل، و ذاك الشيء الضعيف الذي يخفق بين جوانحي لا ينبض إلَّا لأجلك، ذاك القلب لم يكل و لم يمل من النبض كل تلك السنين، فهلاَّ اعطيتِ صاحب ذاك القلب امنيته الوحيدة؟
امسحي بيدك على رأسه مرة أخرى، مرة أخيرة، ببطء، ربما كَبُر صاحب القلب، ربما تغير، ربما يبدو قويًا صلبًا مغرورًا، لكنه لا يزال طفلك الصغير ...


الأربعاء، 18 يوليو 2012

همس النبضات ... تعلمت في الخفارة 6

 
 
عند كل نبضة من نبضات القلب هناك صوتان تُميزهما الأذن بالسماعة الطبية، بين كل صوت و صوت فاصل قصير ثانية أو أقل، و أيُّ صوتٍ دخيل بين الصوتين يدل على وجود عِلة بالقلب، هكذا تعلمت في كلية الطب، لكنَّ قلبها لم يكن كبقية القلوب التي سمعتها من قبل، كان به همس غريب يُعاد مئات المرات بلا كلل أو ملل، همسٌ لا يفهمه إلا الذي يعرف لغة القلب.

استغربت، فبين صوْتَيْ قلبها لم تكن هناك ثانية واحدة، بل طريقٌ طويل، مسيرة سنة ، طريقٌ كل الأشياء تبدو فيه ملونة بلونين فقط، الأبيض و الأسود، غير واضح النهاية، مرصوف بذكريات مُرَّة و حلوة ، على الرصيف دُمية مفقودة الذراع، رسمة طفل صغير بها بيت سقفه مثلث احمر ، حقيبة مدرسية زرقاء بالية، بنطال رمادي به شق صغير عند منطقة الركبة، و قميص أبيض حزين به تجاعيد، كأنه هرم كما يهرم البشر.
مسيرة سنة هو الفاصل الذي كان بين صوتي قلبها، تعجبت ! فكيف لقلبِ بشر أن يحوي ما حوى قلبها ؟


في العيادة كان الطبيب جالسًا على مكتبه ينتظر المريض التالي، دخلت امرأة في نهاية الخمسينيات، لا تزال صامدة في مواجهة تبدو كأنها بدأت منذ الأزل مع امواج السنين، تلك الامواج التي تنحت قلوب الناس و تغيرها مع مضي الزمن إلا قلة، دخلتْ مع زوجها، رجل أسمر نحيل بلحية خفيفة تسلل الشيب اليها، ذاك الزوج الذي أحبها كل تلك السنين و لم يعرف قلبه غيرها، أول سؤال وجهه لها الطبيب: ِلمَ تبدين حزينة يا أُم محمد ؟

حَاوَلتْ ان تخفي حزنها بابتسامة خجولة، لكنَّ أنفاسها العليلة كانت تبوح بالأجوبة، و في عيونها العسلية تستطيع أن ترى نافذة غرفتها و هي تطل من النافذة في ليلة مظلمة لا تدري إلى أين تنظر من تلك النافذة.
قال الطبيب معاتبًا: لقد وصيتكِ في الزيارة الماضية أن تبتعدي عن الحزن لأنه يهدم الجسد كما يهدم الروح، فلم كل هذا الحزن يا أم محمد؟

سَالَتْ من عينِها دمعة، قطرة، كانت أشبه ببحر عميق له أمواج، بحر دافيء من الشوق، بحر به المد دائم بلا جزر، لكنَّ أمواج البحر ضعيفة حائرة سرعان ما تتكسر قبل أن تصل الى شاطيء مُناها.

قالت بصوت خافت و الكلمات صارت تتوه بين قلبها و لسانها: ليس شيئًا ذو أهمية يا دكتور.

أصر الطبيب ان يعرف سبب حزنها، صمتت، قال زوجها للطبيب : ابننا لا يكلمنا منذ سنة !

اكمل الزوج كلامه: انه الابن الوحيد من بين اخوته الذي شَقُّوا بطنها كي يأتي للحياة، انظر كيف يرد الجميل !

هز الطبيب رأسه كأنه يعرف جيدًا تشخيص المشكلة و العلاج: لا تحزني و لا تغضبي، لا توجد مشكلة بالحياة لا تحل، كل الابناء هكذا!

قالت له : لستُ غاضبة منه، لكنني أخاف عليه، أخاف لأنَّ الله سبحانه سيحاسبه لأنه لا يكلم أُمه !
قال الطبيب: سامحيه إن أردت ألا يحاسبه الله.

قالت: يشهد الله أنني لست غاضبة عليه و قد سامحته منذ زمن لكنني لازلت أخشى أن يحاسبه الله ...

ابتسم الطبيب ابتسامة عجزٍ، أحس بالعجز امام قلب كبير، أمام كيان مقدس يصل صوت نبضه للعرش قبل أن يرتد طرف العين.

كنتُ جالسًا معهم اسمع قصتهم، طلب مني الطبيب أن أفحص قلبها...

عند كل نبضة من نبضات القلب هناك صوتان تُميزها الأذن بالسماعة الطبية، يفصل بينهما ثانية أو أقل، هكذا تعلمت في كلية الطب، لكنَّ قلبها لم يكن كالقلوب التي سمعتها من قبل، فبين صوْتَيْ قلبها لم تكن هناك ثانية واحدة، بل طريقٌ طويل، مسيرة سنة، و بين صوتي قلبها همس غريب يُعاد مئات المرات بلا كلل أو ملل، همس لا يسمعه إلا الذي يعرف لغة القلوب.

ربما كان صوت قلبها يهمس اسم ولدها الذي لا يكلمها منذ سنة، ربما كان ذلك أنين الشوق إليه، ربما كان ذلك الهمس مرضًا بالقلب، بصمَّامات القلب أو بعضلة القلب أو بشرايين القلب، لستُ متأكدًا من تشخيصي، فأنا لازلت لا أدري إن كان قلب الأم كباقي قلوب البشر ...

_________________________________
_________________________________
 
" ألا أدلكم على أكبر الكبائر ؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: الاشراك بالله و عقوق الوالدين"
النبي محمد (ص)
 
"ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها و لا تؤخر الى الآخرة، عقوق الوالدين، و البعي على الناس، و كفر الاحسان"
النبي محمد (ص)
 
"تحفة الله الرائعة هي قلب الأم"
اندريه غريتري - موسيقار بلجيكي
 
"أعظم كتاب قرأته، أمي"
ابراهام لنكولن-رئيس امريكي

الأربعاء، 4 أبريل 2012

تعلمت في الخفارة (5)




كم نحن ضعاف بلا حيلة ، كم نحن متخلفون و كم هو ضئيل هو ذاك العلم الذي ندعيه، هكذا بت أرى الطب !

الطب يبدو كصرح ضئيل شديد الضآلة عندما يقف وجها لوجه أمام الموت  المحتوم ...

بعد أن رأيت الموت يأخذهم مني، بعد أن رأيته كأصعب مرض أواجهه، صرت أشك في معنى ابتسامتي امام أي مريض و امام أهل ذاك المريض، فكيف لي أن ابتسم و انا لا أدري ان كان هذا المريض سيتعافى أم انه سيفارق الحياة ؟

و كيف لي ان أعطي الأمل و انا لا أعرف نهايات الأمور ؟

و على أي أساس أبني ذاك الأمل في القلوب و قد رأيت مرضى أصحاء يختارهم الموت على غفلة ؟

بت أعرف - نوعا ما – لحظات اقترابه منهم، دائما نجد أنفسنا قد وصلنا مرحلة اللاعودة، دائما نجد أنفسنا و قد سبقنا و لا نستطيع فعل شيء، الأطراف تبرد ببطء، الوجوه تبدو شاحبة مختلفة عما كانت عليه فيما سبق، يخفت صوت القلب، النبض يضعف، انه المرض الوحيد الذي لم ادرس عنه، انه التشخيص الوحيد الذي لم يعلمونا أعراضه أو كيف نتوقعه، أو كيف نعالجه، انه راحة للمؤمن و عذاب للكافر ...


_______________________________________________

" فاذا جاء أجلهم لا يستئخرون ساعة و لا يستقدمون"  (النحل: 61)


"تحفة المؤمن الموت" (النبي محمد ص)


"شوقوا أنفسكم الى نعيم الجنة، تحبوا الموت و تمقتوا الحياة" (الامام علي ع)


لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
الا التي هو قبل الموت بانيها
(الامام علي ع)


السبت، 21 يناير 2012

تعلمت في الخفارة 4




لكل منا نظرة للأمور، و ربما أقربها للحقيقة تلك التي تأخذ بعين الاعتبار كل زوايا الفكرة، الطبيب يجب أن يكون متواجدًا في المستشفى لفترة معينة تسمى بالخفارة، الخفارة باللغة تعني (الحراسة)، فلنتأمل في هذا المعنى، الطبيب موكل بحراسة الأرواح بتخفيف الألم، و ليست الخفارة مجرد تواجد جسدي لطبيب في مستشفى، و ليست الخفارة مجرد عناية بالمرضى و وصفًا للأدوية و استماعًا لشكوى من مريض، قد تكون كلًا مما سبق لكن الخفارة فوق كل شيء حراسة للأرواح، هي تجربة انسانية شديدة العمق فيها الكثير من العبر بشرط أن نُبصر بقلوبنا لا بالعيون.


ففي الخفارة نمر على أشياء لا يراها معظم الناس، و ربما حتى الأطباء لا يلتفتون لتلك الأشياء كما ينبغي.

نحتاج في كثير من الأحيان للحظات من الصمت يتوقف فيها الوقت و تخفت أصوات الناس، ليغوص العقل في التأمل في اعماق الأحداث و الصور من حولنا.

أمرُ على مشاهد كثيرة تستثير العقل و تستدرجه للتفكير في المعاني، أب و أم متواجدان بالمستشفى منذ الساعات الاولى لفجر يوم يبدو أن جميع الناس فيه نائمون في منازلهم، و السبب ان ابنتهم تحتاج لجهاز تنفس، أقرأ في عين الأم تساؤلات كثيرة إحداها "لم وُلدت ابنتي هكذا؟"

أحاول أن أقرأ العيون التي تحاول أن تقول ما عجز عن قوله اللسان، أرى في عين ابنة ذكريات تموت، في عينيها التي تطل علينا من باب الغرفة تحاول ان تختلس نظرة و نحن نقوم بعملية الانعاش لأم تحتضر.

في عين الابن الذي ينتظرنا خارج الغرفة ايمان بالله عز و جل بحكمته الواسعة في تدبير الامور، في اختيار التوقيت الذي ترتقي فيه الأرواح نحو السماء، و لكنني لم استطع ان انظر في بقية العيون بعد ان اعلنا وفاة الام ...

تعلمت في الخفارة أن للكلمات قدرة عجيبة قد تفوق الأدوية في تسكين الألم في شق طريق للسعادة لم نكن نتصور وجوده، فلِمَ يا تُرى نستهين بقوة الكلمات ؟

أشعر بالخفارة بكلام النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم كلمة كلمة حرفا حرفا، عندما يقول:" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة و الفراغ"

و أشعر أن حديثًا آخر يرسم لي خريطة للأحداث كي لا أتوه، و هو حديث عن الامام علي (ع) يقول فيه:"إنّ البلاء للظالم أدب ، وللمؤمن امتحان ، وللأنبياء درجة ، وللأولياء كرامة"

بالنسبة لي فإن في حياة كل منا خفارة !

يستخلص منها العبر لكن بشرط حضور القلوب ...





لا تستهينوا بقوة الكلمة ...





دمتم بصحة و عافية و ابتسامة

:)