الاثنين، 17 نوفمبر 2008


بني لا تخذلني
وضعت يدها على بطنها
جلست و الاعياء بان على وجهها
تكلم معشوقها
تكلم الجنين الذي مثل عندها أمل الحياة
بني لا تخذلني أرجوك
وعدت زوجها بولد بعد خمس بنات
هددها بالطلاق
لازال بعضنا يعيش في الجاهلية ...و دفن البنات
و لو لم يكن بالتراب أصبح بالاهمال
و بالنظرة الدونية و بالتفرقة بينهم و بين الأولاد
كانت تضع يدها على بطنها كل ما أرادت أن تكلمه
تتخيل أنه يمد يده الصغيرة لها
يفهمها و يقول لها أنه هو الموعود
يا امي لا تحزني
يا امي لن تبكي بعد اليوم كلما بل المطر أجفان السماء
زاد اجهادها و تعبها فكانت لا تئن صابرة
قالوا لها أن ستلد هذا الاسبوع


----------------------------------------


انتظر خارج غرفة العمليات
حركات عقارب الساعة تتحرك ببطء
في عقله يرى المستقبل القريب
سيتركها ان قيل انها ولدت بنتا اخرى
سيقبلها على رأسها ان أتت بالولد !
و يخبرها كم يحبها ...
خرج الطبيب
"سيدي نأسف لاخبارك بأن الام قد توفت ...
لكننا استطعنا أن ننقذ حياة الولد" !!
غريب هذا الولد ليس كبقية المواليد الجدد
كان صامتا
شاخص العينين
سماه صابر
---------------------------------------


و كبر صابر
و تعلم أن الطفل يولد له اب و ام
و هو بلا ام كبقية الاطفال
كان في الليل يوجه قلبه نحو السماء
تبدوكفستان عروسة مزخرفة بالنجوم
ينظر الى أبعد النجوم
من الصعب أن تنظر الى أحد بشغف
و هو أشد ما يكون بعدا عنك
كان يبحث عن امه بين النجوم
يظنها هناك
بقايا أفكار مزروعة في عقله منذ الطفولة
يظن أنها هناك تعيش بسلام
يريد أن يكلمها ...لا يستطيع
كانت تتراءى له أحلام عن أمه
تمسك يداه
تقول كلاما لا يفهمه
"يا بني أنا ضحية
لا تصنع بيدك ضحايا مثلي
بني لا تخذلني "...
كلما سمع كلمة "ام" أحدثت بداخله ألما
حرقة تؤلمه بصمت
----------------------------------------

تخرج من الجامعة ...
وسط الفرحة ... وسط لحظات انشغال الجميع
نظر الى أهله وسط الحضور
كرسي واحد شاغر ...
في كل حدث من حياته كان يتوقف الوقت
و يتجمد كل من حوله
ليسير بين التماثيل البشرية باحثا عن طيفها المفقود


----------------------------------------

و أتى اليوم الموعود
ليلة العمر كما يسمونها
اليوم زفافه
نسي و لو لوهلة امه فكان مشغولا بفتاة أحلامه


في عالم الأرواح
كانت تسير بين الحضور
مرتدية ثوبا أبيض ناصع
تراه من بعيد يبتسم
فتبتسم
تراه من بعيد كأنه نجمة في السماء ... بعيدة
تكلمه لا يسمع
فتواصل كلامها
تبتسم
و تسقط من عينها دمعة
بني ...
اليوم عرسك ولا أضمك ؟
بني حبيبي كنت موجودة في كل مرة كنت تبحث عني
حين كان قلبك يناديني كنت اسمع
لكنني لا استطيع الجواب
بني حين نطقت كلمتك الاولى كنت موجودة

بني حين خطيت خطوتك الأولى تعثرت فوقعت


هل نظرت الى شيء وقع معك ؟


لقد كان قلبي يا بني


و رأيتك حين رمقت الكرسي بنظرة


حينها كنت أبكي يا بني

------------------------------------------
في غرفة العمليات
أخذ ينظر الى الساعة
مبروك لقد رزقك الله طفلة جميلة
و الام بصحة جيدة و الحمدلله
----------------------------------------

على قبر أمه جلس
يا امي اليوم تعودين الى الحياة من جديد
حياة بلا ألم و أحزان
يا امي هذه طفلتي اسميتها على اسمك
و أقسم لك يا امي أنها لن تكون ضحية
من ضحايانا نحن الرجال !
----------------------------------------

السبت، 25 أكتوبر 2008



كان يعيش على جزيرته التي بناها و حتى البحر الذي يحيط بها هو الذي أتى به !
بعيدا عن بقية الناس ... هؤلاء الهمج !
أو كما كان يراهم ...
مع المد لمع على سطح البحر جسم غريب
راح يستكشف فوجد المرآة
نظر إليها لكنه لم ير ما نراه
رأى الوحش الذي لم يره غيره
رأى الأيادي الملطخة بلون وردي رقيق
لون الدم النازف من الأرواح التي جرحها بتلك الانامل الوديعة
بكي لكن دموعه لم تنعكس على المرآة لأنها ليست نابعة من قلبه الصدئ
فهو لا يزال يرى الانانية فضيلة ...هكذا كان يعتقد
فالناس ذئاب تفترس من لا يفترسها ...لكن الذئب الوحيد حسب المرآة كان هو ...
أنكر الحقيقة
أن المرآة لا تكذب
رغم هذا لم يترك صباحا يمر أو مساء دون أن يراجع المرآة
فأشلاء الضمير بداخله مليئة بالفضول ربما اليوم تغير قليلا عن الأمس
ربما البشاعة في المرآة تختفي ...ربما
أو ربما تختار المرآة اليوم أن تعكس وجهه الجميل لا حقيقته الداكنة
فيظفر بقليل من الرضا عن نفسه
لكن المرآة ظلت كما هي ... مرآة صادقة
صباح كباقي الأيام تناول المرآة بيده
قبل أن ينظر أغمض
ربما يتفاجأ هذه المرة
نظر فاندهش!
بدت ملامح الوحش المتخفي بقناع البشرية و قد خفتت
بدت ملامحه أكثر انسانية عن ذي قبل
ما الذي تغير ؟
فكر قليلا ثم فكر أكثر
"ماذا فعلت ؟ ما الذي تغير ؟"
تذكر أنه في الأمس رآى طيفا
ربما حلم أقرب ما يكون للواقع
في ذاك المكان البعيد عن جزيرته التي يعيش فيها ...
حيث الناس الذين بلا مشاعر ولا أحاسيس
في ذاك المكان كانت تقف تبتسم له
انه الشيء الوحيد في هذا العالم القادر على جعل الوحش انسانا
انه الحب ...
"لا مستحيل انها تكذب انها تكذب " !
هشم المرآة بعنف
بقايا الحقيقة في المرآة تئن بصمت
داس عليها
ذهب الى البحر يبحث عن شيء يعكس ذاته ... كما يريدها
ذهب الى البحر .... و لم يعد .....

كثيرا ما نكون قريبين من الاجابة الصحيحة لكننا بارادتنا نختار أن لا نسلك الطريق الصحيح ..

" ما أقوى الحب فهو حينا يجعل الوحش انسانا و حينا يجعل الانسان وحشا"
شكسبير
"الحب هو الأشمل و الأروع و الأعجب من بين كل الطاقات الكونية"
تياردو شاردان

الأحد، 5 أكتوبر 2008




اذا أحسست يوما أنك بدأت تفهم الحياة
لا تحزن !
للحقيقة المرة
حتى لو لم تجد في الناس الوفاء !
حتى لو رأيت نيران الحقد و الحسد
تأكل قلوب الآخرين
و لا تحزن
لو رأيتهم بوضوح
يطعنون ظهرك بلا حياء
سترى حينها
بكاء السماء
على البشر
اذا أحسست يوما أنك بدأت تفهم الحياة
الزم السكوت !
امسح الدموع و اسمع
الدعاء يتلوه الدعاء
يأتيك من صديق كنت تنساه
يا صديقي اذا أحسست يوما أنك بدأت تفهم الحياة
فاعلم أنك اليوم فارقت الحياة !

الثلاثاء، 23 سبتمبر 2008


قد ضللت الطريق
و بت لا أعرف لمن هذا الوجه المنعكس على متن المياه التي أمامي
أين أنا و من أين أتيت ؟
ربما من تلك النجوم سقطت
إلى هذا المكان القاحل أبحث عن أجوبة
ربما مت و أنا الآن في العالم الآخر
لا مستحيل!
أنا لم أمت لازلت على قيد الحياة
ليس لأنني لازلت أتنفس الهواء
و ليس لأنني أشعر بقلبي يخفق بين جوانحي
بل لأنني لا أزال أشعر بالشيء الوحيد
الذي يذكرني بالحياة...بالألم
فجأة غطتني موجة أتت من حيث لا أدري
استيقظت على ضفة شاطئ مظلم
ما هذه الجزيرة ؟
هل يسكنها أحد ؟
لا أرى شيئا حولي
ناديت بأعلى صوتي أيها الناس أنقذوني
لم يجبني أحد
نظرت الى السماء حتى الشمس التي ترسل نورها و دفئها للجميع
تخلت عني
أين أنا و من أين اتيت ؟
لازلت لا أعرف الجواب
هل أنا مسجون هنا لجريمة بشعة اقترفتها ؟
ليتني كنت أدري
و أصبحت كهذه الجزيرة محاطا باليأس
يا ربي أنقذني من الهلاك
يا رب أنقذني
مع أول دمعة سقطت
هبت رياح قوية أبعدت كل السواد الذي غطى وجه الشمس
لمع بريق الأمل في عيني حين رأيت الشمس من جديد
وجدت نفسي محاطا بملايين المرايا التي غطت الجزيرة
لا يوجد تراب أو أشجار أو أنهار
لا يوجد شيء غير تلك المرايا
البعض منها سليم و البعض مهشم
تفحصتها جيدا
و صدمت حين رأيتها تعكس صور حياتي
حاولت أن أسير بين المرايا
لم أجد الطريق
فكل الصور من حياتي متشابهة
طفل صغير ملقى وسط ظلام دامس
و صرخات ألم
طفل ينادي اسم أمه
لكنها لا تجيبه
يشعر أن امه تسمعه من بعيد
بقلبها
فيشكو لها يأسه
استيقظت على صوت دافيء
بني قم بنا نمشي قليلا
وقفت أمام المرآة
لكي أتذكر من أنا !
فأنا لست الشخص نفسه الذي عرفته و الذي عرفه الجميع
رحت أتذكر كلام أمي حينما رأتني أخرج من المعتقل
أنت علي ؟
بكت وبحرقة أم خسرت ابنها
أين علي الصغير أرجعوا لي طفلي علي
نظرت من النافذة الشارع خال
على جانب الشارع دمية ملقية على الأرض منسية
لطفل تركها و راح يبحث عن حجر يرميه
الدمية تبدو و كأنها قد قتلت و في عينها دمعة... تجسدت فيها طفولتي ...
كنت كالجزيرة المهجورة
محاطا بالبؤس من كل الجهات
سنين مرت و أنا في المعتقل
كأنني دخلت غيبوبة لمدة عشرين سنة
و استيقظت لأكتشف أنني صرت غريبا بين أهلي
بني تعال معي
نسترجع لحظات سعيدة تمردت على النسيان
هذه الشجرة هل تراها ؟
توارثها أجدادك حتى وصلت لوالدك
قالت أمي
و يوما ما ستكون لك
نظرت اليها لا زالت صامدة
تبكي .... على أناس رحلوا
تحاول أن تشكو لكن لا يفهمها أحد
و أنا الوحيد الذي فهمت
لأنني في السجن تعلمت لغة الأنين
و لم يشأ طريق الأسى أن ينتهي ...
في اليوم التالي
طلبوا منا المغادرة
خذوا معكم كل شيء حتى قطعة الخشب البالية هذه
و أشاروا نحو الشجرة
قررت العائلة أن تهاجر الى مكان بعيد حيث لا يوجد ألم و مآسي
لكنني رفضت
عند شجرة الزيتون أعلنت عصياني
رجاء أمه لم يزحزحه
يا ولدي قم بنا لنعيش ما تبقى من فتات السنين
هنا جنتي امي سامحيني
لم يعرفوا من أين انطلق الرصاص
سقط على الأرض
وسط بحيرة الدم كانت شجرة الزيتون تبتسم
لأن الفتى مثلها صمد
رغم قسوة الحياة

السبت، 13 سبتمبر 2008


حين تهل ابتسامتي للآخرين
فانهم لا يعرفون أنني في الحقيقة أبكي
و حين أمشي مع الأحبة في الطريق
لا يعرفون أنني أمضي وحيد
أعيش في عالمي أعد الثواني
أحن للأيام السعيدة
أمر على قبور الذين فقدتهم
تبدو صامتة
أنظر اليها و تنظر الي
تريد الكلام لكنها لا تستطيع
تريد أن تقول كم هي مشتاقة
فأقول لها لم يبق الكثير

الجمعة، 12 سبتمبر 2008



هو أخطأ و جرحها
هي لم ترد إلا اعتذار
هو كان يعيش في قصر من السراب على قمة
ينظر منها إلى الأسفل حيث الناس
أراد الاعتذار لكن كلمة آسف ثقيلة في ميزان الكبرياء
أراد أن يرجع كل شيء كما كان بلا الاعتذار
لكنها لن تتنازل
حتى يدرك في وعيه أنه يخطئ كالبقية
كتب لها على ورقة و استطاع بطريقة أن ينتشل كلمة "آسف" من غروره
راح يراقبها من بعيد و هي تمشي تنثر سحرها لمن حولها
ابتسم لا إراديا و تبخرت بحار حب النفس
رآها تكلم أحدهم
غضب فمزق الورقة و ألقاها من قصره
أمام المرآة راح يردد سامحيني لقد أخطأت
الاعتذار لا يبدو بشعا كما تصور
بل بطريقة ما رأى فيه جمالا
تذكرها و هي تكلم ذاك الشخص
فقال في نفسه ليس من سبب يدعو للاعتذار !
في النهار التالي
رآها و رأته و لم يكن هناك كلام
فقط نظرات متبادلة
كانت كل نظراته كلام
و كانت كل نظراتها كلام
من نظراته قرأت أنه جاهز للاعتذار
من نظراتها قرأ أنها تنازلت عن الاعتذار
عندما يحين الوقت فان الحب يتدخل ليكمل النواقص فينا و يزيل كل العوائق

السبت، 9 أغسطس 2008


تساؤلاتي انسكبت مع ضوء القمر
حين سمعت صوت الليل يشدو كناي حزين
يا قمر ...
لم حولك النجوم باكيات ؟
قال كل نجمة تموت بعد حين
أفي الموت بأس و بعده حياة ؟؟
ليس لموتها تبكي
بل حبيب لها قد مات
هكذا شاء القدر
أن تلمع دموعها لتهدي التائهين

عرفت أنني مثلها مقدر لي البكاء
و ربما من دموعي يهتدي الآخرين ...

السبت، 2 أغسطس 2008


في هذه الدنيا نمشي وسط الضباب
لا ندري الى أين
نقول لأنفسنا في الغد كل شيء سيكون على ما يرام
و في الداخل
لا ندري ان كان وراء الضباب
جرف يهوي بنا
أو حقيقة تبدد كل الآمال
الضباب يلتف حولنا
يجمعنا بأناس تائهون مثلنا
و بالغد يفرقنا
نمشي وسط الضباب نمد أيادينا للأمام
نبحث عن يد تمسك أيادينا
البعض منا ييأس
و لازلت أمد يدي


حين أسير في طريق مظلم أفكر بالموت كثيرا
لا أدري متى و أين و ربما من
و أخاف أن تكون حياتي القادمة وسط هذا الظلام
يبتلعني الى مكان بعيد داخله لم يسمع به أحد
يغرقني في طياته الى القاع حيث ركام الأرواح
يرجعني الى هذه الأرض التي منها أتيت
و على متنها فعلت الذي فعلت
يسجنني مغمض العين
لوحدي...
فأبكي و أنتظر الى الأبد ...
حين أمضي بين القبور أرى الأيادي تمتد منها
تطلب الخلاص
و أرى بين الأيادي يدي

الجمعة، 1 أغسطس 2008


أهلا بكم اعزائي المشاهدين نقدم لكم حالة الطقس
الجو اليوم غائم
غيم أسود في كل ساحة
في كل شارع في كل زوايا النفس
غيم أسود في عيون طفل يتيم
غيم أسود من أخمص القدمين حتى الرأس
الجو اليوم غائم كما بالغد غائم
و كذلك بالأمس
يبدو أن الشمس هاجرت الى مجرة أخرى
فهي ملت من اليأس
سينتهي فصل الخريف
ليبدأ الخريف من جديد بعد أربعة أيام أو خمس
الجو اليوم غائم و أيادي الليل تلتهم أشجار الزيتون
تريد أن تقتل التاريخ بالطمس
انقطع الارسال ... رجعت الصورة ... ظهر المذيع يقول :
نأسف لهذا الخلل الفني فقد كانت هذه نشرة أخبار القدس !


بالأمس تراءت لي غزالة
في خدها الدمع كالجمرات
تركتني في حيرة متسائلا
ما يبكي تلك العيون الساحرات
انحنت و أنت بحرقة و رحلت
و صمتها كان أبلغ من الكلمات
اختفت عن ناظري فتبعتها
اتبع دموعها السوداء المتساقطات
و أسمع طوال الدرب صوتا رقيقا
يعزف كناي أحزانه نغمات
وجدتها و قد لفظت أنفاسها كئيبة
ينعاها القمر و الأشجار باكيات
الجسد منها صار نورا
تخرج منه أسراب طيور بيضاء و فراشات
و روحها الطاهرة قد هاجرت
الى ربها الكريم ذو الرحمات
لم يبق غير قلبها الحزين و دمعها
أبوا أن يدخلوا الجنات
لمحت شيئا لامعا من قلبها
خنجرا مربوطا برسالات
رسالة من الحبيب و وردة
و حب يملأ العبارات
و رسالة اخرى غير واضحة
قد بل الدمع فيها الكلمات
لم تبق منها الا جملة
"الوداع يا أجمل ما في حياتي "



الخميس، 31 يوليو 2008


لو أنه لفمي كاتم للصوت كما للمسدس
لما جرح أحد بالرصاص المنطلق من فمي !
لكنك يا عزيزي لن تصمد يوما في هذا الزمان
لو لم يكن في فمك مسدس !


و هو في الصغر لم يفهم يوما الحلم الذي كان يتردد عليه في المنام ، قطار يأخذ بالتسارع يمر في نفق مظلم طويل ، لكنه بعد مدة يخرج من النفق ليصل الى جنان لم ير مثيلا لها قط ، لم يستطع أحد أن يجيبه حين كان يسأل عن هذا الحلم لكنه سيعرف في النهاية تفسيره ...
في أول يوم عمل كان كثيرا ما يقال له أن المصاعب تكون في البداية ، و أنه اذا تجاوزها سيصل بر الأمان ، لكنه و بعد مرور الوقت اكتشف أن بر الأمان كان أبعد مما تصور ، و ان الصعوبة تكون حين يتأقلم مع الحياة الجديدة!
لا مكان للخطأ كما أنه لا مكان للراحة، عليه أن يواجه في كل يوم اختبارات عديدة ، حياته أصبحت أِشبه بفيلم صامت بالأبيض و الأسود بلا طعم بلا روح ... هو طبيب بعيد عن موطنه غيرت ظروف العمل ملامح حياته، لم يستوعب سريعا أن حياته تغيرت الى الأبد ، و ان قطار الحياة أخذ بالتسارع و لن يتوقف حتى يصل الى آخر محطة ، ظل يرتقي في مراتب العمل و مع ارتقائه كان في كل يوم يفقد جزءا من قلبه الأبيض وشيئا فشيئا كان ظلام النسيان يكبر فتذبل ذكرياته السعيدة ، مسكين الانسان فهو في عمره كرسام يرسم لوحة وكلما تقدم في العمر ازداد تركيزه على التفاصيل و نسي ماذا يرسم ! لكن بطلنا لم يستسلم و ظل متشبثا بما تبقى من أمل و ربما لهذا السبب سيفيق من غيبوبته ...
و في ليلة كباقي الليالي بعد أن انتهى من عمله كان في طريقه عائدا الى بيته ...
كان يمشي بالشارع و يجر خلفه أحزانه . حين يشعر الانسان بالوحدة يتغير العالم في عينيه.
كان يمشي و لوقع أقدامه صدى شق سكون الليل ، و في منتصف الطريق بدأ ضوء القمر يموج بمد و جزر فكان ضوءه يطغى تارة و أخرى يطغى الظلام ، نظر الى القمر و كأنه يبادله النظرة قال : ما بالك يا قمر تبكي قد أحزنت النجوم بجوارك ؟ يا قمر كلمني و عن همومك أخبرني و تعال فلنتشارك ولنتحدى من منا يحمل أكثر الآلام ؟ مد له القمر من نوره سلما من حرير، تردد لحظات، لكنه قرر أن يصعد ...
و فجأة ! اصطدم به شخص مسرع كان يحمل أوراقا و صورا فتبعثرت منه ، لاحظ الطبيب أن بعض الصور كان ملونة و بعضها كانت بالأبيض و الأسود ، لملم الرجل أغراضه على عجلة و قال عذرا اخي و مشى مسرعا حتى ابتلعه الظلام...نسى صورة كان قد أوقعها فصاح : يا سيدي ، لقد نسيت صورة انتظر ، وقعت عيناه عليها و اذا بها صورته حين كان طفلا صغيرا!
قال الطبيب باستغراب يا سيد من أنت و هل تعرفني ؟ ظهر الرجل مرة أخرى و قد بدى وجهه مألوفا قال ألم تعرفني بعد ؟ قال له سامحني شكلك يبدو مألوفا لكنني لا أذكرك ، قال الرجل: أنا سنين عمرك التي فاتت بلا رجعة، انا شريط ذكريات سعيدة و حزينة تمردت على النسيان ،انا دموع و ضحكات على شاطئ الماضي تبعثرت ، صاح الطبيب بلهفة ممزوجة بالأمل ذكريات سعيدة ؟! ارجوك خذني معك و لنعيش من جديد لحظات الماضي التي دفنتها الأيام ، فجأة وجد الطبيب نفسه في قطار متوقف، نزل من القطار فرأى مروج بلاده الخضراء و كالعروق انتشرت فيها أنهار شديدة النقاء نظر الى الأعلى فرأى السماء صافية و كأنه لم يرى من قبل السماء ، تقدم بضع خطوات فرأى طفلا كان يجلس تحت شجرة تذكر أنه هذا الطفل !
حاول أن يقترب أكثر لكن الطفل طار بأجنحة خياله الى الفضاء الرحيب و أخذ يتسابق مع الرياح تعب فاستراح على متن غيمة !
أغمض الطبيب عينه وتبسم من قلبه و هو الذي ظن أنه نسي كيف تكون البسمة، قال كيف لي أن أنسى كل هذا ؟
كيف انسى بيتي ؟ كيف انسى احلامي الصغيرة ؟ كيف أنسى المنارة التي أَضاءت ظلام حياتي امي ابتسامة أحلى من الشهد ،أأنسى أبي الحصن المنيع ..أأنسى كلماته التي رست جذورها في أعماق روحي ... جزاك الله خيرا يا صديقي فقد أطلقت طيرا سجن نفسه في قفص .
وصل المنزل و كأن روحه عادت من جديد ،كانت نيته و ارادته أن يتغير و كانت أول بوادر التغيير أن يتصل بأمه ،و قبل أن يرفع السماعة ليتصل سبقه رنين الهاتف !
رفع السماعة و صوت الصياح كان يعلو ، لن ترى امك بعد الآن ... لن ترى كتلة الحنان ...
سقطت السماعة و قبلها سقطت دموعه
اصطبغ الكون من حوله بالسواد
بحسرة ظل يبكي كل لحظة أضاعها من دون أمه العزيزة ، على قبرها غرس جسده كشجرة و سقاها كل يوم من تلك الدموع ، ظل ينوح امي ليتني مت قبلك ، امي هل تذكرين يوم مرضي حين كنت أنت الدواء ... امي كم مرة أردتي فيها رؤيتي فرددتك خائبة امي سامحيني ...
أفاق من حلمه على صوت رنين الهاتف امسك السماعة و يداه ترتجفان خوفا
تغلغل في جو الغرفة صوت رقيق .. بني كيف حالك هلا زرتنا فقد اشتقنا إليك ؟؟