الاثنين، 12 سبتمبر 2011

مئة عام من العزلة تعادل مئة عام من المتعة !


في رائعة الكاتب الكولومبي جابرييل غارسيا ماركيز "مئة عام من العزلة" عبقرية في خلق الاحداث و روعة في ترتيب سردها ، البساطة في اسلوب الكتابة تجعلك تنس نفسك امام اسطر الرواية لساعات و ساعات ، لقد نجح الكاتب ببراعة ان يخلق تاريخ قرية كامل من نسج خياله منذ ان كانت بدايتها الاولى على يد خوسيه اركاديو بوينديا و عدد قليل من اصدقائه ، تلك القرية التي اخفى ليلها قصص حب بعضها نجح و بعضها كان مكتوب له ان يفشل ، مرورا بنمو القرية حتى اصبحت اشبه بمدينة صغيرة توالت عليها الحروب و الويلات و الحكومات ، الرواية واقعية تتذوق فيها حلاوة الحياة و مرارتها و رغم واقعيتها فهي لم تخلو من بعض الخيال الذي كان كالسكر الخفيف الذي يحلي الرواية ، ان اجمل ما في الرواية هي الشخصيات التي تجعلك تتعلق ببعضها و تكره بعضها ، فتشعر و انت تتقدم باحداث الرواية و كأنك انت من المؤسسين الاوائل للقرية !

من اجمل الافكار التي اراد الكاتب ايصالها للقاريء ان الزمن لا يسير في خط مستقيم بل في دائرة ، فكلما تلاشت الاحداث من ذاكرتنا اعادها الكون لكن في شخصيات و ازمنة مختلفة"

بعد قراءة هذه الملحمة التي تفوق الوصف و الخيال تتساءل في نفسك من اين اتى هذا العبقري الحائز على جائزة نوبل بهذا الخيال الجامح !

النقاط السلبية برأيي :

هناك سمتان تميزت بها الرواية ، احداها هي سمة العزلة التي اتخذها الكاتب عنوانا لروايته و الثانية - و هي محل انتقادي- هي حتمية الاحداث ، فباعتقادي ان الانسان في هذه الدنيا ليس مسيرا بالمطلق و لا مخيرا بالمطلق بل بين الاثنين.


النقطة الثانية التي اقف ضدها هي تصويره اشباع الغرائز بلا كبح على انه امر مقبول من المجتمع و لا يؤثر على حياة الانسان و نجاحه"

مقتطفات اعجبتني من الرواية :


"اذا لم تخش الله ، فتأمل المعادن و سوف تخشاه"

"كان موقنا بعودتها في دخيلة نفسه، لانه كان و هو يعالج المادة يدعو الله في اعماقه الا تكون الاعجوبة المنتظرة اكتشاف حجر الفلاسفة و لا تحرير الروح في المعدن و لا امكان تحويل ما في البيت من مفاصل و اقفال و سواها الى ذهب بل ان يتحقق هذا الذي حدث و حسب: عودة اورسولا"

كانت تخاطب زوجها و امطار حزيران (يونيو) تكاد تهدم مأواه : انظر الى ماذا آلت حالنا ، فقد تفرق اولادنا في كل الدنيا ، انظر الى بيتنا الخالي من الناس ، فها نحن وحيدان من جديد ، كما كنا في ايامنا الاولى"

"تحطمت السفينة التي كان فيها ، و غرقت و ظل هائما على وجهه في بحر اليابان طوال اسبوعين ، بعيدا عن اليابسة ، كان يأكل من جثة رفيق له قتلته ضربة شمس و كان لحم الجثة ، الذي اشبع بملح البحر و انضجته حرارة الشمس الشديدة ، يبدو عجيبا و لكنه طيب المذاق حلو ، بكت اورسولا (والدته) و قالت و هي تنتحب و تتنهد : كل هذا و البيت الكبير هنا ينتظرك يا بني ، كل هذا و نحن نلقي بفضلة زادنا للخنازير!"

" لقد كانت تلك المرأة التي لطالما تجاهلها و عاملها كطفلة اكتشافا جديدا بالنسبة له و على الرغم من ان مزاجها كانت تنقصه الرشاقة، و جمالها تنقصه الجاذبية القوية ، فقد كانت تتمتع بحساسية نادرة في تقدير الامور و تفهم اشياء الحياة و كانت اضافة الى ذلك ذات رقة خفية"

"و هكذا ظلوا يعيشون في حياة الحقيقة الهاربة ، يحاولون الامساك بها الى اجل فياسرونها بالكلمات ، و لكنها ما تلبث ان تفلت منهم فارة بلا عودة عندما ينسون معاني الكلمات و قيمة الكتابة"

" حيّاه بمودة و عاطفة و حرارة ، خاشيا ان يكون قد عرفه في زمان مضى و لكنه لا يستطيع تذكره الآن و لكن الزائر شعر بانه قد بات منسيا و ما كان ذلك من نسيان القلب الذي يمكن اصلاحه ، و انما هو نسيان من نوع آخر ادهى و اقسى ، لانه لا شفاء منه، و هو يعرف جيدا انه نسيان الموت ! "

"كانت ترسم المناظر بالالوان المائية قرب البحيرة ، رفعت فرشاتها التي تلون بها اشارة امل لا اشارة وداع لانها لم تكن تدري انها كانت ترقب قطارا عابرا لن يعود"


" ذلك الماضي الذي يتلاشى شيئا فشيئا فيغدو اطلالا تتآكل من داخلها فهي تنتهي او تكاد في كل لحظة و لكنها لا تقوى على الزوال "

الماضي لم يكن سوى كذبة و ان لا عودة للذاكرة و ان كل ربيع يمضي لا يمكن ان يستعاد و ان اعنف الحب و اطوله و ابقاه لم يكن في النهاية سوى حقيقة عابرة"


"و لكن عرب الجيل الثالث كانوا يجلسون في المكان نفسه في الموضع جلس فيه اباؤهم و اجدادهمم صامتين لا يهزهم الخطر و لا ينال منهم الزمن و لا تضعضعهم الكارثة ، فهم لا يتغيرون في حالي الحياة و الموت"

"صفاء الذهن الذي ميز شيخوختها الطويلة مكنها من الاستنتاج ان بكاء الطفل في رحم امه ليس دليلا او مؤشرا على انه سوف يكون متنبئا بل دليل لا يقبل الخطأ على انه سوف يكون شخصا غير قادر على الحب ! "


"اما آخر اخبار المقاتلين المخضرمين فكانت عبارة عن صور لهم في الجريدة و هم يرفعون رؤويهم الذليلة الى جانب رئيس جمهورية غير معروف"

" و ارعد صوت المحارب القديم الذي عادت اليه قوته و عاد اليه احتقاره لذاته فصب جام غضبه و حقده و صاح بهم قائلا: لسوف اسلح اولادي يوما لكي نخلص من هؤلاء الامريكيين القذرين"


" اعلن على الملأ ان السينما ليست سوى آلة اوهام فقرروا الا تطأ اقدامهم ارض السينما بعد ذلك فقد كان لديهم من الاحزان ما يكفيهم و ليس بهم حاجة ليبكوا آلام الآخرين الوهمية"


" لم يستطع ان يدرك الا بعد لأي أن سر الشيخوخة السعيدة ليس الا في عقد اتفاق شريف مع الوحدة"

" كان لكآبتها صوت مرجل يغلي يتبينه المرء واضحا عند مغيب الشمس"

" انهم جميعا سواء ، تربيتهم سهلة في البداية فهم مطيعون و جادون و لا يبدو على الواحد منهمم انه قادر على على قتل ذبابة و لكن ما ان تظهر في ذقونهم اولى الشعرات حتى يلقوا بانففسهم الى التهلكة ! "
" لقد نظم العقيد الكولونيل اثنتين و ثلاثين انتفاضة مسلحة كان بطلها جميعا و قد خسرها جمييعا ، و قد انجب سبعة عشر ولدا ذكرا من سبع عشر امرأة و قد اعدموا جميعا و قد نجا العقيد من اربع عشرة محاولة اغتيال و من ثلاثة و سبعين كمينا و من فصيل اعدام واحد و لم تقتله كمية كبيرة من السم وضعت في قهوته كانت تكفي لقتل حصان ! "

5 التعليقات:

Reem AlHajri يقول...

أقرأ حالياً "سقف الكفاية" لعلوان ..
في حين أهداني أحدهم كتاب آخر
من بين كل هذا مؤكد ستكون "مئة عام من العزلة" هي التالية في جدول قراءاتي :)!

Sweet Revenge يقول...

شلونك احمد شخبارك :) سمعت وايد عن هالكاتب وقبل رمضان بديت اقراله رواية "الحب في زمن الكوليرا" بس اقولك شي ماقدرت اكملها
حاشتني كابة بسبب السلبية الثانية الي تكلمت عنها ناس تتحرك مثل البهائم ومالهم هم الا اشباع غرائزهم بدون رادع اخلاقي او ديني.
مهما كانت المجتمعات فاسدة بس ماتخلي من فضائل وماتخلي من ناس تحافظ علي هالاخلاق والفضائل .

انا مانتهيت من القصة لاني ودي اعرف العبرة منها في النهاية ,شنو كانت العبرة من رواية مئى عام من العزلة؟ .

نقطة في كتاباته اعجبتني اهتمامة بالتفاصيل ووصفة الدقيق لكل شي تحس كانه يرسم لوحة وانت تشوفاه جدامك.

a7mad Nabeel يقول...

reem

بانتظار قراءتك للرواية و ابداء رايك فيها :)


sweet revenge

الحمدلله بخير

هلا اختي

هناك عدة افكار احتوت عليها الرواية لكن فكرة ان التاريخ يكرر نفسه و ان الزمن يدور في دائرة هي محور الرواية
افكار اخرى :
-حتمية الاحداث و ربما استحالة منع وقوعها
- الوراثة هي التي ترسم ماضينا و حاضرنا و مستقبلنا
-ترك فسحة من الحرية للابناء لاختيار مستقبلهم و عدم فرض عليهم قالب مستقبلي جاهز من صنع الاهل.
-الارادة القوية طوق نجاة في هذه الحياة.

غير معرف يقول...

متشوقة اقراها شكرا على الاقتباسات

Mohamed karim يقول...

الجميل في هذه الروايه كلما تقرأها تشعر انك لأول مره تقرها