السبت، 21 يناير 2012

تعلمت في الخفارة 4




لكل منا نظرة للأمور، و ربما أقربها للحقيقة تلك التي تأخذ بعين الاعتبار كل زوايا الفكرة، الطبيب يجب أن يكون متواجدًا في المستشفى لفترة معينة تسمى بالخفارة، الخفارة باللغة تعني (الحراسة)، فلنتأمل في هذا المعنى، الطبيب موكل بحراسة الأرواح بتخفيف الألم، و ليست الخفارة مجرد تواجد جسدي لطبيب في مستشفى، و ليست الخفارة مجرد عناية بالمرضى و وصفًا للأدوية و استماعًا لشكوى من مريض، قد تكون كلًا مما سبق لكن الخفارة فوق كل شيء حراسة للأرواح، هي تجربة انسانية شديدة العمق فيها الكثير من العبر بشرط أن نُبصر بقلوبنا لا بالعيون.


ففي الخفارة نمر على أشياء لا يراها معظم الناس، و ربما حتى الأطباء لا يلتفتون لتلك الأشياء كما ينبغي.

نحتاج في كثير من الأحيان للحظات من الصمت يتوقف فيها الوقت و تخفت أصوات الناس، ليغوص العقل في التأمل في اعماق الأحداث و الصور من حولنا.

أمرُ على مشاهد كثيرة تستثير العقل و تستدرجه للتفكير في المعاني، أب و أم متواجدان بالمستشفى منذ الساعات الاولى لفجر يوم يبدو أن جميع الناس فيه نائمون في منازلهم، و السبب ان ابنتهم تحتاج لجهاز تنفس، أقرأ في عين الأم تساؤلات كثيرة إحداها "لم وُلدت ابنتي هكذا؟"

أحاول أن أقرأ العيون التي تحاول أن تقول ما عجز عن قوله اللسان، أرى في عين ابنة ذكريات تموت، في عينيها التي تطل علينا من باب الغرفة تحاول ان تختلس نظرة و نحن نقوم بعملية الانعاش لأم تحتضر.

في عين الابن الذي ينتظرنا خارج الغرفة ايمان بالله عز و جل بحكمته الواسعة في تدبير الامور، في اختيار التوقيت الذي ترتقي فيه الأرواح نحو السماء، و لكنني لم استطع ان انظر في بقية العيون بعد ان اعلنا وفاة الام ...

تعلمت في الخفارة أن للكلمات قدرة عجيبة قد تفوق الأدوية في تسكين الألم في شق طريق للسعادة لم نكن نتصور وجوده، فلِمَ يا تُرى نستهين بقوة الكلمات ؟

أشعر بالخفارة بكلام النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم كلمة كلمة حرفا حرفا، عندما يقول:" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة و الفراغ"

و أشعر أن حديثًا آخر يرسم لي خريطة للأحداث كي لا أتوه، و هو حديث عن الامام علي (ع) يقول فيه:"إنّ البلاء للظالم أدب ، وللمؤمن امتحان ، وللأنبياء درجة ، وللأولياء كرامة"

بالنسبة لي فإن في حياة كل منا خفارة !

يستخلص منها العبر لكن بشرط حضور القلوب ...





لا تستهينوا بقوة الكلمة ...





دمتم بصحة و عافية و ابتسامة

:)





3 التعليقات:

BookMark يقول...

جميل أن يتيح لك عملك كل فرص التأمل هذه.
وإن كانت مؤلمة، إلا أن ما يبصره قلبك ويعتبر به فوق كل ألم. -وهي نعمة أن لديك قلب يبصر، فليس الجميع يبصرون-

a7mad Nabeel يقول...

bookmark

شكرًا على تعليقج، يمكن مو بصيرة اشوف الكلمة مستواها وايد عالي بالنسبة لشخص عادي، يمكن تكون مجرد نظرة لشيء اصلًا موجود ...
اوافقج الراي، عملي يتيح لي فرص للتأمل، لكن بحياة كل واحد فينا ايضًا هناك فرص عديدة للتأمل و اخذ العبر صدقيني ...
شكرًا لهذا التواجد

Reem AlHajri يقول...

لعل هذا كل ما في الأمر ..
كل الذي كان يشدني نحو الطب
المشاهد التي تعبر أرواحنا، تلك التي قد تبدو عاديةً جدًا لغيرنا .. لكنها تُحدث فينا أمرًا ما

أحب مقتطفاتك من الخفارة ..
ترجعلي حنين قديم وحلم مازال ساكن فيني وإن غيبته برضا

هذا نص جميل ..
ننتظر أجزاءه الأخرى :)