الجمعة، 27 نوفمبر 2009

موعد بعد الغروب


رجل من خلفه الشمس

الى محطة القطارات يسير
أمامه ابتسامة خجولة قدمها للجميع
من خلفه الشمس بدأت بالمغيب ... تنظر اليه بشوق
فهي لا تستطيع ان تقترب اكثر لانها ستحرقه و نيران الشوق في قلبها تأكلها فلا تستطيع التوقف عن التفكير به
كل ما تستطيع ان تقدمه هو الدفء كما تقدمه للجميع
فكل ما حولنا من خلائق كالشمس مرتبط بهذا الانسان يتألم لألمه و يفرح لفرحه
لكن بشرط واحد
أن يكون الانسان انسانا
فكلمة انسان تحمل معاني بعمق محيط او اكبر
عندما يتمنى الانسان لأخيه الخير أيا كان أسودا أو أبيض
عندما يضحي من أجل سعادة غيره
عندما يتحمل أذية البشر و يكتم هذا الألم
عندما يذرف دمعة على كائن حي يتعذب
عندها يكون الانسان انسانا
عندها يصبح هو و الكون كيانا متصلا لا ترى حدودا فاصلة بينهم
هو كان انسانا
فقد وطنه بالحرب الطاحنة التي لا تزال تنخر ما تبقى من ذكرياته
و أتى مهاجرا الى هذه البلاد
بلا هوية ... بلا ماضي ... و لا مستقبل
لم يعرف أباه أو أمه ، كان "مقطوع من شجرة" كما يقال
لا يعرف هل هو يتيم أو تركه أهله
هل بكوا عندما تركوه ؟
أم أن أحدا لم يبال ؟
أين هم الآن يا ترى ؟
في الجنة أم في نار هذه الدنيا ؟
ربما أضاعوه و لا يزالون يبحثون عنه
راح ينظر للقمر متأملا
يكلمه ! ليتك كنت تعلم كم أنت جميل أيها القمر
يا ترى لو سمعت كلام أهل الشعر فيك و هم يتغزلون بكلام كأنه من عالم آخر هل كان سيصيبك الغرور ؟!
لا تقلق أيها القمر فأنا أعرفك جيدا أنت لست من النوع الذي يصيبه الغرور لأنه وهب جمالا
يبتسم و هو يمازح القمر : لو كنت فتاة لتزوجتك !


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


موعد في المحطة
كانت تنتظر القطار
و لم تكن تدري انها كانت تنتظره !
أصابها مرض عندما كانت صغيرة فأفقدها نعمة النطق
و لا تدري كم هي محظوظة لأنها ليست كباقي البشر ليس لديها أشواك الكلام تلسع بها القلوب
وصل الى المحطة ، رآها جالسة وحيدة ... كما لو أن قصيدة شعر صارت تتردد في الأجواء مع موسيقى رائعة ...أحس أن أوراق الشجر صارت وردية ... أحس كما لو أن القمر فعلا صار فتاة ...
عندما رآها تحول قلبه الى طير أبيض و طار من عنده نحوها ، حط على يدها بأريحية عجيبة كأنه كان يعرفها من دهر
تجمعت النجوم تطل كفتيات صغيرات من نافذة السماء ينظرن اليهما بشغف تلمع عيون كل نجمة مترقبة كلمة من أي منهما للآخر
سألها عن القطار ، فخافت ، كيف سترد ؟ و هي لا تنطق
تزايدت نبضات قلبها بانت على وجهها معالم الاحراج من الموقف ، بعيونها الخائفة أشارت الى لوحة المواعيد
تبسم كما تعود ، فسألها : هل أعرفك من قبل ؟
أخرجت دفترها من الحقيبة ، يكاد قلمها المرتجف يحمر خجلا كتبت : كنت سأسألك نفس السؤال ؟!
لم تتأثر صورتها في عينه لأنها لم تكن قادرة على النطق
لأنه روحه ليست من هذا الزمان
ابتسم و أخذ منها القلم برقة و كتب على الدفتر: كنت أعرف أننا سنلتقي يوما ...
ابتسمت
في هذه اللحظة نسوا كل شيء ... كل لحظة صعبة مرت
و راحوا يتذكرون أعمالهم المنيرة
أحسوا أن الله سبحانه كافأهم على أعمال الخير التي فعلوها من قبل
وصل قطارهم ... بعد انتظار دام سنين
ركبوا القطار
منطلقين في عروق الدنيا المتشعبة غير عارفين اين ستكون المحطة التالية
حينها أحس كل واحد منهم أنه وجد طعم السكر المفقود من سنين حياته التي مرت
كان يعمل من أول النهار حتى غروب الشمس
هكذا اخبرته يده الخشنة المتصلبة من العمل و الكد ، هي عرفت ذلك عندما لامست يداه يدها
لكنها أيضا رأت بوضوح أن تلك اليدين الخشنتين أغصان تفرعت من قلب أنعم من الحرير صيرت نيران هذه الدنيا بردا و سلاما
في عينها الخضراء تذكر مروج الوطن قبل أن تحرقها الحرب
في قلبها وجد وطنه المفقود
طفولته الضائعة
الأب و الأم اللذان لم يعرفهما
و هي كانت أيضا تعمل بلا استسلام ، تحت أعين جارحة و "نظرات النقص" من الغير
حسب قوانين الحياة فان ما جمعهم كان البؤس و التعاسة
لكن ما جمعهم في الحقيقة كان الابتسامة في عمق العاصفة
ضحكوا على مآسيهم في الزمن الذي كان يبكي فيه الجميع من مآسيه
في كلامه و ابتسامته استطاعت أن تنطق بلا كلمات !
أخيرا أحد يشاركها الكتابة في دفتر كلماتها
شيء نادر ان تجد مثل ما كان بينهم
حب لا يقوم على زخرف من زخارف الدنيا المتشعبة
فعيونهم لا ترى الشكل و اللون و العرق و المال
فتلك العيون ليست كعيوننا ... نحن البشر !
فهي لا ترى في ناطحات السحاب و المباني الزجاجية و الأضواء اللامعة انجازا عظيما للبشرية
انما الانجاز الاعلى من ناطحات السحاب في نظرها مسحة على رأس يتيم لم يلتفت له أحد
صدقة تقدم على استحياء و ابتسامة في وجه انسان بائس
تلك العيون غابت حقيقتها عن بقية البشر بأنها عيون الملائكة .
حبهم كان الحب الذي دار حوله الكون بكل مجراته و شموسه و كواكبه
فيه يكون الانسان بحق انسانا بكل معاني الكلمة الرائعة
حب كطفل نقي
ولد من نظرة سابرة لأغوار الروح لتغوص في أعمق الأعماق و ترى نور الروح في ما وراء وراء عوالم مكنونة في هذا الجسد
كانوا يسيرون مع بعضهم على البحر أمامهم ابتسامة خجولة قدموها للجميع
و من خلفهم الشمس لكن هذه المرة كانت تشرق




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

" المؤمن بشره في وجهه و حزنه في قلبه "
الامام علي (ع)

" الايمان صبر في البلاء و شكر في الرخاء"
الامام علي (ع)

" ان ايمانا صادقا في صدور الساذجين لخير من التدين المنحط في معابد المتدنين "
أمي الريحاني

" ان أسمى الألقاب و أقدسها طرا هو لقب الانسان"
رزكوفسكي


"لا يمكن لأي انسان أن يصبح عالما بمعنى الكلمة من غير أن يصير قبل ذلك انسانا بمعنى الكلمة "
نوفالس


" في العتمة ما أجمل الانسان أن يؤمن بالنور "
ادمون روستان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل عام و المدونون بخير :)

الأربعاء، 18 نوفمبر 2009

المطر لا يحي القلوب بعد موتها


الهروب ...
مضت ساعة على انتصاف الليل
الشوارع مهجورة
كنت في السيارة هاربا
الى أين ؟ لا ادري !
الى مكان بعيد
أبعد ما أكون فيه عن هذا العالم و هؤلاء الناس
ربما الجأ للبحر
تفاجأت فلأول مرة أرى فيها البحر بهذا السواد
هائجا كان يزداد سواده كلما اقتربت أكثر
غيرت وجهتي
حاولت الهروب من عالم حتى البحر فيه اصبح لا يريد ان يسمع أنين انسان
اختفى البحر شيئا فشيئا
بدأت أضواء المدينة تموت
لتظهر الصحراء
فضاء واسع من الصمت و غناء الرياح الذي لم أسمعه من قبل
أصوات الناس ضحكاتهم و كلامهم ، قصصهم و وجوههم
كلها اختفت
قد ألقى الليل ظلالا خافتة على الكثبان الرملية فتكونت وجوه لأشخاص أعرفهم
كان وجهها بينهم
يبتسم أم يبكي ؟
خففت السرعة ، الطريق مظلم
هل يمكن أن يحوي كل هذا الفراغ على جمال ؟
أين هو ؟ هل هو مدفون بين طيات كثبان الرمل ؟
ربما أنا لا أرى الجمال الحقيقي
ربما هو موجود أمامي و لا تراه عيني
هنا تساءلت نفسي :
هل تسرعت عندما اخترتها ؟!
بدأ المطر بالهطول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



عالم المطر
مددت يدي للخارج
حاولت أن أخرج من عالمي الى عالم المطر
حيث يحيا فيه كل شيء ميت عندما يهطل
عالم يغسل فيه المطر كل الأوساخ و الأتربة التي كدستها الأزمنة
ركنت السيارة و نزلت
جلست بين أحضان المطر
على صخرة وسط الصحراء الخاوية
مطر وسط الصحراء ؟
انها معجزة ... و كم أحتاج الآن الى معجزة !
ربما اخفى المطر بكائي لكن رمال الصحراء تعرف الفرق بين قطرات من مطر السماء و قطرات من ألم البشر
هل يحي المطر القلوب بعد موتها ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


عندما زالت أقنعتنا
رحت أجمع قطع الصورة المبعثرة
بعد شهر من الزواج طفت على السطح بقايا الماضي
لا أنكر أنني تصنعت دور الرجل المثالي في بداية زواجنا لكن شيئا فشيئا ظهرت طبيعتي
كنت أعلم أنها أيضا كانت تتصنع المثالية
كنت أعلم أن أقنعتنا لا بد أن تزول في يوم
تحت قناعي كان يقبع انسان لديه بعض العيوب
أما هي فكانت تخفي الكثير
عندما سألتني في بداية زواجنا عن تجاربي في الحب ما قبل الزواج أخبرتها بالحقيقة
أخبرتها أنني أحببت مرة قبل زمن طويل
أخبرتها أنني أكتشفت أنه كان حبا من طرف واحد
كانت هذه أبعد مسافة أصل فيها في بلاد العشق
فضحكت و ضحكت أنا و لم أستطع أن أرى جانبا مخفيا من ضحكتها كان وراء الظل
الآن أصبحت الصورة واضحة
صرت أرى في عيونها كيف تقارنني بعشاقها القدامى
أسمع قلبها يحن لكلماتهم
لمزاحهم معها و ضحكاتهم
دائما ما كنت أضحك على أصحابي عندما يقولون أنهم دخلوا القفص الذهبي
او سجن الزواج كما سماه أحدهم
لكنني لم أكن أدري ان الزواج عند البعض سجن حقيقي
ربما هي اكتشفت بعد مضي بعض الوقت أن الزواج سجنها
ففي الماضي كانت تستطيع أن تجرب الحب فان ملت اخذت استراحة !
حب حسب الطلب متى ما أرادت
أما الآن فهي عالقة في متاهة رجل واحد
لا تدري هل تخرج منها على قيد الحياة أو بعد مماتها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


مرض القلب
تمنيت لو كنت أنا أول انسان في حياتها
كان سيكون حبا قويا يصمد الى الأبد
فكرت في الدواء أهو الطلاق ؟ أو التمسك بالأمل ؟
ربما يستطيع الحب فعل المعجزة ، فهل أنتظر ؟
ربما الحب كهذا المطر يغسل الأرواح ليرجعها صافية نقية
يطهره من شوائب الماضي و أوساخه
الطلاق ؟ و عيون الناس التي لا ترحم ؟
ماذا سأخبرهم ان سألوني ؟
بأنني لم أكن كعشاقها القدامى ؟ خبيرا في فنون النساء ؟
بأنني لست خبيرا في الحب ؟
في الطب لتعالج مرض القلب أمامك خيارين اما الأدوية و مسكنات الألم و اما الجراحة و نزف الدم
راجع الى البيت
في الطريق رن هاتفي ... كانت تتصل
سألتني : أين أنت ؟ لم تأخرت ؟
"أنا في السيارة
ساعة و أصل" ... ساعة و ينتهي كل شيء !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


بكاء سارة
جلست معها :
وضعت سارة يدها على قلبها خوفا
عرفت ان مكروها يلوح بالافق فهي لاحظت تغيري في الفترة الاخيرة
سارة لا استطيع ان اكمل ، لن ينجح هذا الزواج
بكت سارة ، كأي فتاة حلمت بالزواج يوما من فارس الأحلام كما في قصص الخيال
كانت تعرف كل شيء عن اسبابي
حاولت رأب صدوع في مركب زواجنا الذي أثقلته مياه الماضي السوداء في ليلة عاصفة
عينها الباكية تنظر الى عيني: لا تقل لا نستطيع بل نستطيع، انا اخطأت كثيرا في الماضي و الآن تبت الى ربي ، انت اخبرتني يوما ان التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، انت اخبرتني ان الحب يصنع المعجزات
امسك يدي لا تفقد الأمل أعرف أنني لم أكن زوجة مثالية لكنني سأتغير من أجلك ... من أجل حبك
لننس ما كان في الماضي و لنبني هذا البيت من جديد بالحب ، أرجوك لا تفقد الأمل ، ما كان في الماضي لم يكن حبا ، طيش المراهقة لا أكثر.
ضمتني و بكت
نظرت الي، قالت: أنت لست كالبقية انت اول حب حقيقي في حياتي ... صدقني
قالتها بصدق ... لكن بعد فوات الأوان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم لا نقدر الشيء حتى نفقده ؟
بعد سنة من المشي بين الناس و رأسي للأسفل سمعت أنها تزوجت من جديد
عندما سمعت الخبر تحسرت عليها
أحسست أنه كان بالامكان انقاذ بيتنا الهاوي
احسست انه كان بامكاننا ان نعيش سعيدين في ظل الحب
قسوت عليها ، كان يجب أن أمنحها فرصة
رحت أتذكر كلامها
"انت لست كالبقية ... انت اول حب حقيقي في حياتي "
كانت صادقة في كلامها لكن روحي باتت مرهقة معذبة
أصوات عشاقها القدامى تطاردني نظراتهم كلماتهم
و قلبي لا يستطيع ان يتحمل ان يشارك حبا مع رجال آخرين
في داخلي عرفت انني ظلمتها و ان عالم آخر منها كان موجودا لم أبصره
هل تراها الآن سعيدة ؟
يا ترى أأجبرت على الزواج لأنها أصبحت مطلقة ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عودة ... الى الصحراء
كنت دائما أفكر لم حدث لي ما حدث
هل كنت أنا المخطيء في الموضوع ؟
أم أنه حظي العاثر ؟
مرت سنة من أصعب سنين العمر ... سنة من المشي منحني الرأس ، سنة مرت على "رجل فشل في زواجه"
و شاءت الأقدار أن يشرق الفجر بعد سنة من الظلام الحالك
كنت في نفس السيارة ذاهبا الى مكاني القديم ، الى الصحراء ... هذه المرة حب حياتي كان معي !
الفتاة التي احببتها قبل زيجتي الفاشلة
الزمن خلق الحب بيننا من جديد
التقيت بها "صدفة" و اكتشفت انها تعمل في نفس المبنى الذي اعمل فيه
طوال هذا الوقت كانت قريبة مني لكن أقدارنا لم تشأ ان نلتقى من قبل
كم هي واسعة هذه الدنيا لكن ان شاء القدر تغدو أصغر من ما نتخيل
كانت هي الحب الذي لم اتمسك به قبل زواجي
كانت معي في السيارة نفسها حيث بدأ كل شيء
لم تفهم لم أريد الذهاب الى الصحراء
ها هنا حيث اتخذت قرارا لولاه لما تواجدت الآن معها
رأيت وجه زوجتي الأولى على الكثبان الرملية
كانت تبدو سعيدة
كل سار في دربه و دروب البشر فيها الشوك و الورد
و لولا الشوك لما قدرنا جمال الورد



النهاية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" الصبر ثلاثة : صبر عند المصيبة ، و صبر على الطاعة ، و صبر على المعصية "
النبي محمد (ص)
" لا يعدم الصبور الظفر ان طال به الزمان "
الامام علي (ع)
" لا شيء يرفع قدر المرأة كالعفة "
اديسون
"ان حبا امكن يوما ان ينتهي لم يكن في يوم من الايام حبا حقيقيا "
ارسطو