الأربعاء، 15 أغسطس 2012

تعلمت في الخفارة ٧

تعلمت في الخفارة ٧


 

عندما ننطق اسم احدهم فان صورته تظهر في العقل، بالصورة و الهيئة التي طالما كنا نراها عليه، لذلك وُجِدَت الأسماء.
و تتشابه الاسماء مع الشجر، فهي تنمو في قلوبنا مرتويةً من أنهار الذكريات، بعضها تبدو في علوها شاهقة كالجبال، أما بعض الأسماء فيذبل في قلوبنا مع مرور الوقت.
في المستشفى نتعامل مع الألم مع الأنين مع مرارة الدواء مع فقدان الأمل، بعض المرضى يكتمون أنينهم، و بعضهم  يصرخون من الألم، لكنني لاحظت أن بعض المرضى عندما يشعرون بالألم الشديد الذي لا يطاق يصرخون (أمي).
فكرت بيني و بين نفسي عن السبب، كلمة من ثلاثة حروف فقط، لِمَ قد يلجأ إليها انسان عند الألم؟
هل لأنَّ اسمكِ ببساطة يُنسينا الوجع ؟
أم أن السبب أعمق بكثير و يبعدُ كل البعد عن البساطة؟
ربما ذاك المريض عندمايقول كلمة (امي) فانه يتخيل نفسه و قد عاد طفلًا صغيرًا، و يرى أمه و هي تبتسم، تمسح بيدها برقة على شعيرات رأسه، و كل شعرة تحظى بلمس اناملها تغدو خيطًا من حرير بارد ناعم الملمس، ألا يكفي هذا المشهد كي يشفي الألم أيَّ ألم ؟
هذا الرداء الأبيض الذي نرتديه و الأدوية و الانابيب و السوائل و الاجهزة و أنا، كلنا كنا ننظر باستغراب كيف يزول الألم.
هل لأن صوت كل حرف من حروف اسمكِ عندما يُنطق يتغلغل صداه بالشرايين حتى يصل للقلب ليضم نبضاته برقة فيبطئها و يُسكت صوت الألم ؟
هل لأن قلبك كطيرٍ أبيض هاجر من صدرك و ارتحل إلى حيث جراحي، يمسحها بجناحه و كل ريشة من جناحه تقطر بالبلسم ؟
من ملاحظتي بالمستشفى وصلت إلى قناعة، قناعة تقول أن حروف اسمكِ بها سر استودعه الله عز و جل يعجز عن فهمه العلم ؟
قد مر وقت طويل منذ أنْ مرَّرْتِ اناملكِ بين شعيرات رأسي، فكأن الشعيرات باتت كورد ذابل يحن إلى أناملك، و كأن الروح باتت أرضًا متشققة من الجفاف تحن لتلك الأنامل، و ذاك الشيء الضعيف الذي يخفق بين جوانحي لا ينبض إلَّا لأجلك، ذاك القلب لم يكل و لم يمل من النبض كل تلك السنين، فهلاَّ اعطيتِ صاحب ذاك القلب امنيته الوحيدة؟
امسحي بيدك على رأسه مرة أخرى، مرة أخيرة، ببطء، ربما كَبُر صاحب القلب، ربما تغير، ربما يبدو قويًا صلبًا مغرورًا، لكنه لا يزال طفلك الصغير ...